سوف نتعرف سوياً حول اللبنانية التي غيرت من النظرة للمرأة العربية وجعلتها تتحدث عن ما تريده وتبدي آراءها وكذلك تدخل في مجال الروايات وغيرها.
مولدها ونشأتها:
هي السيدة عنبرة سليم علي سلام زعيمة النهضة الأدبية في نساء العرب، التي تسنمت المنابر على حجاب وسفور، فكان للعروبة والثقافة من فضل موقفها نور على نور. ولدت في بيروت ونشأت في أسرة عريقة في مجدها وطيب منبتها.
وبعد أن أنهت تعليمها الابتدائي في مدارس بيروت تتلمذت على السيدة جوليا طعمة دمشقية وهي من رائدات النهضة النسائية الأولى في البلاد العربية، وقد كان لها في توجيهها وتربيتها وأثر كبير، ولما وقعت الحرب العالمية الأولى أصبحت كل انواع دراستها في المنزل، وسعى والدها في إيجاد الأساتذة لتعليمها، فتلقت دراستها على اللغوي الكبير الشيخ عبد الله البستاني واثنتين من المعلمات الفرنسيات، ثم على الأديبة المعروفة سلمى صائغ وغيرهم.
خدماتها الاجتماعية:
لقد اشتغلت منذ كانت على مقاعد الدراسة في الجمعيات الخيرية والاجتماعية، وترأست نادي الفتيات المسلمات الذي كان أول ناد نسائي عربي وكان يضم فريقاً من أرقى فتيات بيروت وكن يقمن فيه الحفلات، في يحضرها الرجال والنساء ويحاضر فيها الأدباء والأديبات وأُلحقت بالنادي مدرسة تطوع فيها فتيات النادي لتعليم أبناء وبنات العائلات المحرومة والتكفل باطعامهم والقيام على تأمين راحتهم.
وساهمت بعد الحرب العالمية الأولى في الجمعيات التي تأسست تشجيع المصنوعات الوطنية وكانت تنشر في الصحف والمجلات بعض المواضيع الاجتماعية الهامة.
في انكلترا:
قامت برحلة إلى انكلترا لمشاهدة معالمها العمرانية والثقافية، وظلت مدة سنتين عكفت خلالها على دراسة اللغة الانكليزية دراسة خاصة كان لها أبلغ الاثر في نضوج ثقافتها، ثم عادت الى وطنها لتقود النهضة الأدبية النسائية، وقد طلب اليها القاء محاضرة عن مشاهداتها في إنجلترا وعندما حان وقت المحاضرة التي استغرقت ساعتين ارتقت ذرى المنبر في مدرسة الأحد في سنة 1918م سافرة دون سابق انذار، وقد ذهل الحاضرون لعملها الجريء، إذ سبق لها ان القت خطباً قبل ذلك وهي محجبة، فكانت بذلك أول فتاة تسفر علناً في بيروت وقد حياها الشاعر عبد الرحيم قليلات بقصيدة عنوانها (عنبرة الأدب في سفورها وحجابها) قال في مطلعها:
الله للعرب حسبي لطفه حسبي
في ما دهى العرب من كرب ومن خطب
كرب الجهالة أربى طينها بللاً
خطب السياسة في أهل وفي صب
ومنها:
أمرٌ به العلم، لا رعد الحجاب ولا
برق السفور أمير العقل واللب
حُييتِ (عنبرة) الفصحى معطرة
روض النهوض بربا عرفك الرطب
تنشق القلب شاذي نفحة وكفى
ما العطر للعين ان العطر للقلب
ما قيل، خاطفة الأبصار إذ شهدوا
خطف البصائر من تبيانك العذب
شفّ الحجى عن سني اللطف محتجبا
والعلم كالنور في تمزيق ذي الحجب
مراحل حياتها:
اقترنت بالأستاذ المرحوم احمد سامح الخالدي مدير الكلية العربية في القدس المشهور بمآثرها، والمسؤول الأول عن تعليم العرب في فلسطين، ولا يزال تلاميذه المنتشرون في الأقطار العربية مدعاة فخر واعتزاز لاسمه وذكراه.
وانتقلت بزواجها إلى محيط علمي ثقافي اتسعت فيه مداركها، وازدادت معارفها، وساهمت في أعمال بعض الجمعيات، وألقت المحاضرات ونشرت المقالات، ولما أنشئت دار الإذاعة في القدس سنة 1935م كانت أول سيدة تدعى لافتتاح الحديث النسائي فيها.
وكانت تتعاون مع زوجها في شتى الميادين العلمية والاجتماعية والخيرية، وتقوم بدعايات وطنية متواصلة، وكان بيتها منتدى تؤمه الطبقات المثقفة من مختلف الأقطار، فلم يكن يمر في القدس علماء أجانب أو عرب إلا ويدعون إلى بيتها لاعطائهم المعلومات الصادقة عن فلسطين ويقابلون بالحفاوة والتكريم.
آثارها الأدبية:
لقد عكفت على ترجمة شيء من روائع الأدب الغربي الكلاسيكي، فترجمت عن الانكليزية قصة (الالياذة) ثم (الأوديسة) وقصة (الانيادة) وهذه لا تزال مخطوطة.
نكبة فلسطين:
لقد شاءت الأقدار أن تهجر بيتها في فلسطين يوم حلت النكبة المشؤومة في فلسطين، ففقدت زوجها فجأة كما هو واضح في ترجمته في هذا الجزء، وقد أثرت هذه النكبات على حياتها أبلغ الأثر فزهدت في كل شيء وقلَّ إنتاجها الأدبي ولم يعد لها كبير صبر على العمل.