اليمن الغد : اراجيك
عندما نُفكر في عصر القرون الوسطى لا نتذكر إلَّا أنه عصر الظلام! ولكننا ننسى أنه في حين كانت أوروبا تعيش في عصور الظلام وتعاني من العديد من المشاكل والصراعات الفكرية والاجتماعية، لم يكن العالم الإسلامي كذلك.
كان هذا عصر العلم والفلسفة والفن والرياضيات، كان العصر الذهبي الإسلامي، ويرجع ذلك لنجاح عدة علماء إسلاميين وتفوقهم، وعلى رأسهم العالم “ابن سينا”. هذا الفيلسوف المسلم ارتقى ليصبح من بين المفكرين الذين يحظون باحترام العالم وتقديره إلى يومنا هذا.
وُلِد ابن سينا بالقرب من بلدة بُخَارى (تقع الآن في أوزبكستان) عام 980 م تقريبًا. اسمه بالعربية هو “أبو علي الحسين بن عبد الله بن سينا” ثم اختصر إلى ابن سينا (اسمه باللاتينية Avicenna).
وبحلول الوقت الذي وُلِد فيه ابن سينا، كان “نوح بن منصور” هو سلطان بلدة بُخَارى لكنه كان يكافح من أجل الاحتفاظ بالحكم.
كان والد ابن سينا حاكمًا لإحدى القرى. وقد تلقى تعليمه على يد والده، والذي كان منزله مكانًا لتجمع الناس من أجل التعلم في المنطقة.
بالتأكيد كان ابن سينا طفًلا بارعًا، حيث كانت لديه ذاكرة قوية، وقدرته على التعلم قد أدهشت العلماء الوافدين إلى منزل والده.
لم يصلنا الكثير عن تفاصيل حياته المبكرة، إلَّا أنه ظهر عليه الفطنة والذكاء في وقت مبكر، وحفظ القرآن كله في عمر 10 سنوات. كما حفظ معظم الشعر العربي الذي قرأه.
عندما بلغ ابن سينا سن الثالثة عشر بدأ بدراسة الطب، وقد أتقن هذا المجال قبل سن السادسة عشر عندما بدأ في علاج المرضى. درس على يد الكثير من العلماء المسلمين العظماء.
كانت مهاراته في الطب تثبت أنه سيكون له شأن كبير في المستقبل. وعندما تمكن من معالجة السلطان البخاري من مرض غامض، سُمح لابن سينا باستخدام المكتبة الملكية، وقد استغل هذا الأمر على أكمل وجه.
وبحلول سن الحادية والعشرين، أضحى ابن سينا عالمًا كبيرًا وبدأ في تأليف الكتب. لم يكن مهتمًا بالخلافات السياسية وبقي على هذا الخطى لتجنب التورط في أية مشاكل.
استقر أخيرًا في أصفهان (في إيران حاليًا)، حيث سُمِحَ له بافتتاح مدرسته الخاصة للباحثين. وانتهى الأمر بكتابة أكثر من 240 كتابًا حول الفلسفة، والطب، وعلم الفلك، وعلم النبات، وعلم الحيوان، والأرصاد الجوية، وعلم النفس.
إنجازات ابن سينا
انقلبت حياة ابن سينا رأسًا على عقب بعد وفاة والده. وبدون دعم من أي شخص، بدأ ابن سينا بالتجول والتنقل بين مدن مختلفة. انتقل إلى خراسان وكان يعمل طبيبًا ومعلمًا حيث كان في كل مساء يجمع الطلاب حوله للمناقشات الفلسفية والعلمية.
كما عمل رجل قانون في جورجانج، وكان في خوارزم، ثم أصبح مدرسًا في جورغان.
ولعل أكثر ما يلفت النظر هو أنه واصل تقديم حلقات دراسية قيمة على الرغم من نمط حياته الفوضوية وغير المستقرة.
أهم أعمال ابن سينا “كتاب الشفاء” حيث يُعتبر موسوعة علمية تغطي العديد من المجالات مثل المنطق، والعلوم الطبيعية، وعلم النفس، والهندسة، وعلم الفلك، والحساب والموسيقى. وكتاب آخر اسمه القانون في الطب وهو أحد أكثر الكتب شهرة في تاريخ الطب.
بالإضافة إلى ذلك، ألف ابن سينا نحو 450 كتابًا، نجا منها إلى يومنا هذا نحو 240 فقط. من بين تلك الأعمال المتبقية، 150 في مجال الفلسفة و40 فقط في الطب، وهما أكثر مجالين ساهم فيهما ابن سينا عن غيرهما. كما كتب عن علم النفس، والجيولوجيا، والرياضيات، وعلم الفلك، والمنطق. إلا أن أهم عمل له هو كتاب الشفاء. وهو واحد من أربعة أجزاء مخصصة للرياضيات. وقد ضمَّن ابن سينا علم الفلك والموسيقى والكثير من فروع الرياضيات داخل هذه الموسوعة. قام ابن سينا بتقسيم الرياضيات إلى أربعة فروع، الهندسة، وعلم الفلك، والحساب، والموسيقى، ثم قسم كل من هذه المواضيع.
كما قسَّم علم الفلك إلى الجداول الفلكية والجغرافية، والتقويم. وقسَّم الحساب إلى الجبر، وعمليات الجمع والطرح. وصنف الموسيقى أيضًا اعتمادًا على الآلات الموسيقية المختلفة.
أشهر أقوال ابن سينا
المستعد للشيء تكفيه أضعف أسبابه.
بُلينا بقوم يظنوا أن الله لم يهد سواهم.
الوهم نصف الداء، والاطمئنان نصف الدواء، والصبر أول خطوات الشفاء.
العقل البشري قوة من قوى النفس لا يستهان بها.
المستعد للشيء تكفيه أضعف أسبابه.
بُلينا بقوم يظنوا أن الله لم يهد سواهم.
الوهم نصف الداء، والاطمئنان نصف الدواء، والصبر أول خطوات الشفاء.
العقل البشري قوة من قوى النفس لا يستهان بها.
وفاة ابن سينا
بعد سجنه، قرر ابن سينا مغادرة همدان عام 1022 م إثر وفاة الأمير بويد الذي كان يعمل لديه، وسافر إلى أصفهان.
هنا دخل إلى محكمة الأمير المحلي وأمضى السنوات الأخيرة من حياته في سلام. أنهى في أصفهان كتاباته الرئيسية التي بدأت في همدان وكتب أيضًا العديد من الأعمال الأخرى في الفلسفة والطب واللغة العربية.
خلال إحدى الحملات العسكرية عام 1037، اُصيب ابن سينا بآلام في البطن، وعالج نفسه بحبوب من الكرفس، تمكن من صُنعها بنفسه. ولكن قام أحد مساعدي ابن سينا بتخريب الأمر وذلك بمضاعفة نسبة المادة الفعالة في الدواء، مما تسبب في إصابته بالقرحة.
وخلال تحضير أدوية أخرى لاحقًا، حاول أحدهم تسميم ابن سينا أيضًا، فهو لم يكن بالطبع محبوبًا من قبل الجميع. وبالنهاية، في عام 1037 م نجحت إحدى تلك المحاولات في تسميم ابن سينا، وتوفي أثناء سفره إلى همدان على الرغم من محاولته في استخدام مهاراته الطبية لإنقاذ نفسه ولكن بلا فائدة.
حقائق سريعة عن ابن سينا
- كان ابن سينا عالما وفيلسوفا وطبيبا وشاعرا.
- لُقِّب بالشيخ والفيلسوف الثالث بعد أرسطو والفارابي، كما عرف بأمير الأطباء وأرسطو الإسلام.
- تُوفِي مُسممًا على يد أحد مساعديه.
- استطاع ابن سينا أن يرصد مرور كوكب الزهرة عبر دائرة قرص الشمس بالعين المجردة في يوم (10 جمادى الآخرة 423 ه =24 من مايو 1032 م)، وهو ما أقرَّه الفلكي الإنجليزي “جير مياروكس” في القرن السابع عشر.